سورة فصلت - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


يقول الحق جلّ جلاله: {ولقد آتينا موسى الكتابَ}؛ التوراة {فاختُلف فيه} فقال بعضهم: حق، وقال بعضهم: كتبه بيده في الجبل، كما اختلف قومك في كتابك القرآن، فمِن مؤمن به وكافر، {ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك} في حق أمتك بتأخير العذاب، {لقُضِيَ بينهم}؛ لأهلكهم إهلاك استئصال. وقيل: الكلمة السابقة هو العدة بالقيامة لقوله: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46]، وأن الخصومات تُفصل في ذلك اليوم، ولولا ذلك لقُضي بينهم في الدنيا. {وإِنهم} أي: كفار قومك {لفي شكٍّ منه} من أجل القرآن {مُرِيبٍ}؛ موقع للريبة، وقيل: الضمير في {بينهم} و{إنهم} لليهود، وفي {منه} لموسى، أو: لكتابه، وهو ضعيف.
{مَن عَمِلَ صالحاً} بأن آمن بالكُتب وعمل بوحيها، {فلنفسه} نفع، لا غيره، {ومَن أساء فعليها} ضرره، لا على غيره، {وما ربك بظلاّمٍ للعبيد}، فيعذب غير المسيء، أو يُنقص من إحسان المحسن.
الإشارة: الاختلاف على أهل الخصوصية سُنَّة ماضية، {ولن تجد لسنة الله تبديلاً}، فمَن رام الاتفاق على خصوصيته، فهو كاذب في دعوى الخصوصية، وفي الحِكَم: (استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك).


يقول الحق جلّ جلاله: {إِليه يُرَدُّ عِلْمُ الساعةِ} أي: إذا سُئل عنها يجب أن يقال: الله أعلم بوقت مجيئها، أو: لا يعلمها إلا الله، {وما تَخْرُجُ من ثمراتٍ من أكمامها}؛ من أوعيتها، جمع كِمَ بكسر الكاف؛ وهو وعاء الثمرة قبل أن تنشق، أي: لا يعلم كيفية خروجها ومآلها إلا الله. {وما تحمل من أُنثى} أي: تعلقُ النطفة في رحمها، وما ينشأ عنها من ذكورة وأنوثة وأوصاف الخلقة؛ تامة أو ناقصة، {ولا تضع} حَملها {إِلا بعلمه}؛ استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي: ما يحدث شيء من خروج ثمرة، ولا حمل حامل، ولا وضع واضع، ملابساً بشيء من الأشياء إلا ملابساً بعلمه المحيط.
{و} اذكر {يومَ يُناديهم} فيقولُ: {أين شركائي} بزعمكم، أضافهم إليه على زعمهم، وفيه تهكم بهم وتقريع، {قالوا آذَنَّاك ما مِنَّا من شهيدٍ} أي: من أحد يشهد لهم بالشركة، إذ تبرأنا منهم، لما عاينا حقيقة الحال، وتفسير آذن هنا بالإخبار، أحسن من تفسيره بالإعلام؛ لأن الله تعالى كان عالماً بذلك، وإعلام العالم محال؛ أما الإخبار للعالم بالشيء ليتحقق بما علم به فجائز، إلا أن يكون المعنى: إنك علمت من قلوبنا الآن: أنَّا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة؛ لأنه إذا علمه من نفوسهم، فكأنهم أعلموه، أي: أخبرناك بأنَّا ما منا أحد اليوم يشهد بأنّ لك شريكاً، وما منا إلا مَن هو مُوَحَّد. أو: {ما منا من} أحد يشاهدهم، لأنهم ضلُّوا عنهم في ساعة التوبيخ، وقيل: هو من كلام الشركاء، أي: ما منا شهيد يشهد بما أضافوا لنا من الشركة.
{وضلّ عنهم ما كانوا يَدْعُون}؛ يعبدون {من قَبْلُ} في الدنيا {وظنوا}؛ وأيقنوا {ما لهم من محيصٍ}؛ من مهرب، والظن معلق عنهم بحرف النفي عن المفعولين.
الإشارة: إليه تعالى يُرَدُّ علمُ الساعة، التي يقع الفتح فيها على المتوجه، بكشف الحجاب بينه وبين حبيبه، وما تخرج من ثمرات العلوم والحِكَم من أكمام قلبه، وما تحمل نفس من اليقين والمعرفة، إلا بعلمه. ثم ذمَّ مَن مال إلى غيره بالركون والمحبة، وذكر أنه يتبرأ منه في حال ضيقه، فلا ينبغي التعلُّق إلا به، ولا ميل القصد والمحبة إلا له سبحانه وبالله التوفيق.


يقول الحق جلّ جلاله: {لا يسأمُ الإِنسانُ} أي: جنسه، أو: الكافر، بدليل قوله: {وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً} [الكهف: 36]، أي: لا يملّ {من دعاءِ الخيرِ}؛ من طلب السعة في المال والنعمة، ولا يملّ عن إرادة النفع والسلامة، والتقدير: من دعائه الخير، فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول، {وإِن مسَّه الشرُّ}؛ الفقر والضيق، {فَيَؤُوسٌ} من الخير {قنوطٌ} من الرحمة، أي: لا يرجو زواله؛ لعدم علمه بربه، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى ربه، بُولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فَعول، ومن طريق التكرير؛ لأن اليأس هو القنط، والقنوط: أن يظهر أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، ويظهرَ الجزع، وهذا صفة الكافر لقوله: {إِنَّه لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. وقال الإمام الفخر: اليأس على أمر الدنيا من صفة القلب، والقنوط: إظهار آثاره على الظاهر. اهـ.
{ولئن أذقناه رحمةً من بعد ضراء مَسَّتْهُ ليقولَنَّ هذا لِي} أي: وإذا فرجنا عنه بصحّة بعد مرض، أو: سعة بعد ضيق، قال: {هذا لي} أي: هذا قد وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير، وفضل، وأعمال برّ، أو: هذا لي لا يزول عني أبداً، {وما أظنُّ الساعةَ قائمةً} أي: ما أظنها تقوم فيما سيأتي، {ولئن رُّجِعْتُ إِلى ربي} كما يقول المسلمون، {إِنَّ لي عنده لَلْحُسْنَى} أي: الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة، أو: الجنة. قاس أمر الآخرة على أمر الدينا؛ لأن ما أصابه من نِعَمِ الدنيا، زعم أنه لاستحقاقه إياها، وأن نِعَم الآخرة كذلك. وهذا غرور وحمق، الرجاء ما قارنه عمل، وإلا فهو أُمنية، «الجاهل مَن أَتْبَعَ نَفْسه هواها، وتمنّى على الله، والكيِّسُ مَن دَانَ نفسه، وعَمِلَ لما بعد الموتِ».
{فلننبئَنَّ الذين كفروا بما عَمِلُوا} أي: فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب، {ولَنُذِيقَنَّهم من عذابٍ غليظٍ}؛ شديد، لا يفتر عنهم.
{وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعْرَضَ}، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان؛ إذا أصابه الله بنعمته، أبطرته النعمة، وأعجب بنفسه، فنسي المنعِّم، وأعرض عن شكره، {ونأى بجانبهِ}؛ وتباعد عن ذكر الله ودعائه وطاعته، أو: ذهب بنفسه وتكبّر وتعاظم، والتحقيق: أن المراد بالجانب النفس، فكأنه قال: وتباعد بنفسه عن شكر ربه، {وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ}؛ الفقر والضر، {فذو دعاءٍ عريضٍ} أي: تضرُّع كثير، أي: أقبل على دوام الدعاء والابتهال. ولا منافاة بين قوله: {فَيؤوس قنوط} وبين قوله: {فذو دعاء عريض}؛ لأن الأول في قوم، والثاني في قوم، أو: قَنوط في البَر، وذو دعاء عريض في البحر، أو: قَنُوط بالقلب، وذو دعاء باللسان، أو: قَنُوط من الصنم، وذو دعاء لله تعالى.
الإشارة: اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه، راضياً بقلبه، إن أجابه شكر، وإن منعه انتظر وصبر، ولا ييأس ولا يقنط، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه، دون شيء من الوسائط العادية، هذا ما يُفهم من الآية، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود. وبالله التوفيق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6